غداة اختيار رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني المختار ولد أجاي وزيرا أول، انقسم الرأي العام بين معارضين رأوا في الرجل عودة إلى أسموه "رموز عشرية ولد عبد العزيز"، واحتج البعض بكونه صاحب مشروع سياسي، وصاحب طموح.
بينما انبرى فريق آخر للدفاع عن اختيار الرجل واعتبروه تتويجا لمسيرته في خدمة مشروع الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، بدءا من الحملة الانتخابية النيابية إلى إدارة الديوان، وأخيرا الجهد الذي بذل في الحملة الرئاسية، كما استشهدوا بقدراته في إدارة الملفات بحيوية، مذكرين بما بذله من جهد في شركة سنيم، وإصلاح الضرائب وغيرها..
كنت أكثر ميلا إلى الفريق الأول، نظرا لرغبتي في التغيير والإتيان بشخصيات من خارج دائرة الوزراء السابقين، ولأن أكثر ارتباطاتي مع شخصيات في المعسكر المناوئ لتعيين ولد اجاي.
واليوم، وبعد أن مضى العام الأول من المأمورية الثانية، يمكنني أن أقول باطمئنان إن حكومة الرئيس غزواني، رغم ما يدعى من عدم انسجام بين بعض مكوناتها أحيانا، استطاعت أن تتجاوز بنجاح اختبار السنة الأولى. بل أقول بكل ثقة إن الحكومة ارتقت لأول مرة إلى حجم طموح رئيس الجمهورية، في تسريع العمل في ملفات ظل فخامة الرئيس يلح على أسبقيتها في تفكيره، وتقدمه في أولوياته، وأعادت الأمل في قدرتنا على تجاوز مشاكل بنيوية، أعاقت لعقود تقدم الوطن، وكدرت السكينة العامة. ولعل أفصل هذا الاستنتاج في بعض الملاحظات:
• من خلال ما نراه من نتائج مجالس الوزراء واللجان الوزارية يظهر جليا أن هناك تفكيرا جديدا في مشاريع يتعدى نفعها المستوى القريب والمتوسط، إن كتب الله لها أن تتحقق. مشاريع إنتاج وتوزيع المياه الصالحة للشرب، مشاريع زيادة إنتاج الكهرباء وتوزيعه ومشاريع شق قنوات الري واستصلاح الأراضي الزراعية ومشاريع تعميق الموانئ وصيانتها، إلى آخر ذلك من الأمور التي لها صلة بحياة المواطن من جهة وخلق ظروف لاقتصاد قوي من جهة أخرى.
• إعادة الاعتبار إلى هيبة الدولة واحترام المال العام، رغم وجود مقاومة شديدة من الذين دأبوا على استباحة هذا المال بشكل تطبعه البداوة، وعدم الفهم السليم لعلاقة المسير بالمال العام، وهو اختلال في الفهم لا يمكن تصحيحه إلا بغرس وعي جديد قائم على حرمة المال العام، وتخصيصه لما هو مخصص له فعلا؛ وهو تحقيق مستوى من الرفاهية للمواطن، الذي هو هدف العملية التنموية وغايتها.
• انتهاج نمط جديد قائم على "الإدارة بالمشاريع" وهو ما يضمن تناغما بين منشآت البنية التحتية، والحاجات الفعلية للمواطنين، إضافة تكامل بين مختلف مكونات المشاريع؛ من طرق، وبنية تحتية خدمية...
هذا إضافة إلى اكتمال العديد من المنشآت التي وضع حجرها الأساس، قبل هذه الحكومة، وتعثرت الأعمال فيها أو تباطأت نتيجة عوامل مختلفة.
• تسوية ملفات ذات أبعاد اجتماعية كانت عالقة منذ عدة سنوات؛
إن هذه الانطلاقة الموفقة والأمل الذي تولد لدى الكثير من المواطنين وقادة الرأي يجب أن يؤخذ بكثير من التحفظ خوفا من تكرار النكسات التي يتعرض لها كل إصلاح في هذا البلد، وبالتالي عدم قدرة ما نشاهده اليوم على الصمود في وجه العقليات السائدة في مجتمعنا، من أنانية وتغليب للمصالح الضيقة وعدم الفهم السليم لضرورة التغيير خاصة في ظل التقلبات الحالية في محيطنا الإقليمي والدولي.
إن الظروف المناسبة التي خلقها صاحب الفخامة لا ينبغي بأي حال من الأحوال أن يتم الالتفاف عليها بحجج وأفكار لا يتجاوز تفكير أصحابها ورؤيتهم للأمور أبعد من أنوفهم؛ فنحن جميعا مطالبون بحماية هذه الظروف والذود عنها بكل ما أوتينا من قوة والحفاظ على مواصلة الديناميكية الملاحظة على وتيرتها الحالية، وحماية برنامج فخامة رئيس الجمهورية وضمان تنفيذه.
إن الحديث داخل الأروقة عن استحقاقات 2029 ومحاولة خلق ظروف تخدم أجندات ضيقة لا يعدو كونه إمعانا في التفكير العبثي، الذي يكشف عن افتقار أصحابه، إلى الحس الوطني، وأقل درجات الموضوعية، والنزاهة الفكرية.
أراد فخامة الرئيس لمأموريته الحالية أن تكون مأمورية عمل، وأشار في أكثر من مكان، خلال الحملة الانتخابية ٢٠٢٤ وخارجها، إلى أن الكثير من الوقت ضاع، وأن كثيرا من الفرص أهدرت بسبب العقليات الفاسدة، وبسبب تحكم مسلكيات الفساد، والتواكل، وعدم احترام المعايير، أو تقدير الوقت. ولعل أصرح مرة عبر فيها فخامة الرئيس عن شعوره هذا حين قال في نواذيبو: "آسف لأننا ما زلنا نتحدث عن توفير الماء والكهرباء في عاصمتنا الاقتصادية".
ولا بد لهذه الإرادة أن تتجسد في سلوك إداري وسياسي لكل المعنيين بتنفيذ برنامج الرئيس، وذلك بالانخراط الجاد في الجهد الملموس الذي بدأ يؤتي أكله في مشاريع استراتيجية، سيكون لها الأثر الإيجابي على مستقبل البلد، وستجعلنا أمام بلد يفخر المواطن بالانتماء إليه، وسيكون بين أيدينا في نهاية مأمورية البناء ما يمكن التنافس عليه.
إن أي تفكير أو حديث لا يخدم "طموحي للوطن" يجب أن يتلقى أصحابه الرد المناسب، وبالصرامة التي يستحق دون تأخير حتى لا تتعدى عدواه إلى بعض المتذبذين، ويبقى المؤمنون بهذا المشروع لوحدهم يصارعون شتى الأدوات غير النظيفة من جهة، ومحدودية الموارد التي تحتاجها تنميتنا من جهة أخرى، ونعود إلى ما لا نتمناه لهذا البلد من فقدان الأمل في التغيير نحو الأفضل.
إن الرسالة الصريحة بأن قرارا أعلى صدر بحماية هذا المسار الجاد نحو التحقيق مشروع فخامة الرئيس، لا شك قادمة، وأعتقد أنها ستكون من الصراحة والوضوح بحيث لا يبقى للمعيقين غير الانسجام المطلق مع هذه الرؤية، والانخراط الجاد في المسار، أو الخروج من المشهد.