لا لا أبدا لم تعد الحياة في عالمكم بشرية، كلا أبدا لم تعد في قلوبكم الحديدية ذرة عاطفة أبوية، بل لم يعد كوكبكم ذا هو الكوكب الأزرق كما كان ملعبا للطفولة الجميلة والبراعم البريئة وهي تغني وتشدو مع الطير، لقد تحولت زرقة كوكبكم إلى لون قانٍ بالدماء النازفة وطغى "البحر الأحمر" وغطى اليابسة كلها فأين المفر؟ إلى أي جُرمٍ سماوي سأهرب وإلى أية مجرة سأتسلل بين النجوم عبر أحد المسابير الفضائية خلسة قبل طلوع فجركم الكاذب أبدا، وكيف أبتعد عن هذا العالم سنوات ضوئية ، وهل إلى خروج من سبيل نحو عالم أقل شرارة ..
محبط أنا من سكان الأرض الأشرار .. محبط حد الانهيار العصبي والجنون والأرق الدائم والكوابيس المزمنة..
محبط لأن الأرض من مطلع الشمس إلى مغربها صوروها لي امبراطورية يسوسها عجوز خَرِف مجنون متقلب المزاج غوغائي يفيق حينا ويسكر أحيانا وفي كل الأحوال "يتَفرْعن" بكرة وأصيلا بتغريداته المجنونة خارج السرب كأنه يقول فيها "أنا ربكم الأعلى" "أليس لي ملك الأرض كلها وهذه الأنهار الحمراء تجري من تحتي".
عالم تائه وبشر صًمَّتْ آذانه عن صرخات أطفال ضُمّرٍ يودعون الحياة بالعشرات والمئات والآلاف.. أعدمت الأبوة ذات سبات عالمي، وقتل الحنان ولم يعد فيه رحيم يحن إلى صرخة وليد، أو صرير أمعاء والد مشتعل رأسه بالشيب ، أو يرق لدمعة يتيم ودّع أبويه إلى أبد الآبدين ، أو زفرة أرملة تنظر نظرة أخيرة في عيون بعلها الراحل مع الراحلين، أو استغاثة مبحوحة لثكلى جائعة عطشى فارقت فلذات كبدها أمام عدسات العالمين.
أين المفر؟ اين المهرب من هذا الكوكب وهذا العالم الشرير بأكمله حين يوثق بالصورة والصوت أخبار الأطفال الرُضع يذبحون على النُصب لتكون عظامهم النخرة ضمن "طعام أهل الكتاب" الحلال إن لم تتم ذكاتهم بصمت "على الطريقة الإسلامية" !!
كيف لا أهرب وأنا الناظر بعيون والد يحس ويتألم كلما استغاثتي في الهجيع أصدقاء ولدي الذي لم يكمل عقده الأول ؟
أنظر بهذه العيون الأبوية الدامعة في مناكب امبراطورية العجوز اليميني المجنون فأسمع في جوف الليل صرخات هيكل طفل قادمة من خلف غيوم الشاشات :
ـ أبتاه أين الرغيف .. أين الخبز؟
ـ صبرا ولدي دونك مياه المجاري وعسى الله أن يأتي بقلوب رحيمة..
فجأة انقطع الصوت .. نام الطفل .. لا بل مات .. نعم يموت وتجف عظامه وعظام الوالد النخرة.
هنالك وتحت ركام مستشفى معتم يبتر ساق رفيقة صغيرتي وهي تبكي وتجهش بالبكاء فلا تجد مهدئا للألم وتودع الحياة دون أن تلقى عاطفة أو حنان من أباء أصدقائها في العالم....
مجرم هذا العالم كله أو جُلُه مجرم حيث لا عدالة لا رحمة لا حنان .. أرضكم هذه ظالم أهلها جُلُهم، ولم يعد في شبر منها "منأى للكريم عن الأذى ..".
أين المفر ؟ اين المفر؟ ..