في الجزء الثاني من المقابلة الحصرية التي أجراها مع "جون آفريك"، يتحدث الرئيس الموريتاني السابق لأول مرة عن الخلاف بينه وبين خليفته، والذي كان أيضًا صديقه وأقرب المقربين له خلال فترتي رئاسته من عام 2009 حتى 2019.
في الجزء الأول من المقابلة، التي نُشرت في 15 أبريل والتي منحها لـ"جون آفريك"، استعرض محمد ولد عبد العزيز الاتهامات الموجهة إليه، وكذلك تقاربه مع حزب الرباط الوطني. وقد وجهت إلى الرئيس السابق في مارس 2021 اتهامات، من بين أمور أخرى، بالفساد وتبييض الأموال والإثراء غير المشروع وتبديد الممتلكات العامة ومنح مزايا غير مستحقة وعرقلة سير العدالة.
وهذه المرة، يتحدث للمرة الأولى عن الصراع بينه ومحمد ولد الغزواني، الذي كان قائد أركان الجيوش في فترة حكمه ووزير دفاعه. وفي نواكشوط، إذا كانت المسافة الفاصلة بينهما لا تتعدى بضعة كيلومترات، فقد ارتفع جدار من الصمت بين الرجلين، اللذين أصبحا صديقين أثناء تكوينهما لنيل رتبة نقيب في عام 1986. وقد تتابع الوسطاء بينهم، لكن لم ينجح أحد في استعادة التواصل الذي انقطع منذ نوفمبر 2019. ما الذي حدث؟ هنا يقدم "عزيز" روايته للقصة.
جون آفريك: يستعد محاموك لبدء إجراءات على مستوى الاتحاد الأفريقي وأيضاً جامعة الدول العربية. هل تحاول الحصول على دعم من نظرائك السابقين؟
محمد ولد عبد العزيز: لا أتوقع منهم شيئا، بل أود أن أبلغهم بوضعيتي، حتى يعلموا أن زميلهم السابق ليس الشخص الذي يتحدث عنه النظام الحالي. لقد تركت السلطة. خدمت فترتين رئاسيتين وغادرت. لماذا؟ لكي أساعد في ترسيخ الديمقراطية في بلدي. أنا عسكري وعلى عكس ما يعتقده كثير من الناس، ليس كل العسكريين ديكتاتوريين. خلال السنوات الـ 21 من حكم معاوية ولد الطايع، لم يكن هناك أمل وكانت الآفاق كلها مغلقة. وعندما كان ضحية محاولة انقلاب عام 2003، حميته وأعدته إلى السلطة. لكن عندما رأيت أنه كان يصر على نفس الطريقة، كنت أنا من قررت تغيير النظام. لم أرشح نفسي كما وعدت، وانتُخب رئيس للبلاد.
- غير أنك أطحت أيضًا بسيدي ولد الشيخ عبد الله، الذي انتُخب بالفعل بطريقة ديمقراطية في 2008...
لسوء الحظ، سرعان ما أُغرق. حدثت عودة إلى الخلف، وعادت الزعامات الموالية لمعاوية إلى السلطة وكانت البلاد مهددة بالانحراف. وقد أُجبرت على تنفيذ انقلاب ثان. لذلك، بعد فترتيَّ الرئاسيتين، ومخالفة لضغوط بعض أصدقائي رؤساء الدول وبعض السياسيين الذين أرادوا مني البقاء، رفضت رفضًا قاطعًا البقاء لفترة ثالثة. ليس لأنني لم أرغب في الاستمرار في خدمة بلدي، لكن لأنني أردت أن أعطي البلد درساً في الديمقراطية. ولم أرغب في أن يكون على القائمة السوداء، كما حصل لبلدان أخرى.
- ومع ذلك بعد يوم من تنصيب محمد ولد الغزواني ذهبت في سفر. وفور عودتك في نوفمبر 2019 طالبت بقيادة حزب الاتحاد من أجل الجمهورية، وهو الحزب الحاكم. لماذا؟
أنت مخطئون في ذلك، فأنا لست من ادعى "المرجعية". ويفترض بدلاً من ذلك أن تسألوني لماذا عدت لأترأس الاجتماع. أولاً، لقد عينت لجنة مؤقتة لتسيير الحزب وطلبت من رئيسها في ذلك الوقت ألا يعين المسؤولين، بل أن يُنتخبوا. وعندما كان مفترضاً أن ننتخب الرئيس والأمين العام، أوقفت العملية لأن الوقت كان عشية الانتخابات الرئاسية. وعندما كنت في لندن، طلب مني الرئيس الحالي تأجيل موعد المؤتمر لكون الحكومة لم تكن جاهزة. وأجبته بأنني لا أرى في ذلك أي مشكلة. لكن في تلك الأثناء، أرسل المحيطون به أشخاصًا للتدخل في التحضيرات لهذا المؤتمر. ثم وُجهت إليّ انتقادات لاذعة. وقد اكتشفت أن نفس هؤلاء الأشخاص ينحدرون من نفس المنطقة، وحتى من قبيلة الرئيس نفسها. لذلك عندما عدت، أخبرت الرئيس أنني سأجتمع بهم.
- إذن أحسست على كل حال بالحاجة إلى إبلاغه.
نعم، ولكن كان ذلك من باب اللياقة لا غير! فهو ليس عضوا في الحزب، واسمه غير موجود في أي قائمة، ولم يترشح عن هذا الحزب نفسه.
- لكن كل [وزراء] الحكومة أعضاء في الاتحاد من أجل الجمهورية. فكيف تعتبر أنهم يتبعون لك وليس للأغلبية؟
إنه ليس حزب الأغلبية، بل هو مجرد حزب ضمن أغلبية كبيرة. لقد أنشأته واخترت اسمه بنفسي، "الاتحاد من أجل الجمهورية". لقد قلت فعلاً إنني عندما أترك السلطة لن أصبح رئيسًا له. لكن بما أنني أحمل رقم بطاقة العضوية 001، فلا يمكن إقصائي بهذه الطريقة! مرة أخرى، جمعت أعضاء اللجنة المؤقتة لأخبرهم أنه علينا مواصلة العمل وأن الانتقادات الموجهة إلي يجب أن تتوقف. وقد كانوا على اتفاق معي وأصدرنا بياناً يعبر عن دعم الحكومة والرئيس.
- لماذا تدهور الموقف بعد ذلك؟ لقد حاول العودة إليك فلماذا لم تستجب لذلك؟
لقد حاول فعلاً الاتصال بي من جديد. لكني لم أرغب أبدًا في فتح رسالته. قرأت الكلمات الأولى الظاهرة.. لا غير. ثم جاء بعض الأشخاص لرؤيتي، فأبلغتهم أنني لم أعد أستطيع نقاش هذا الموضوع معه. لقد كنت أخبرته أن هذه المشكلة يجب أن تبقى بيننا، لكنه وقع تحت تأثير أناس لا قيمة لهم. وبعد ذلك مباشرة، أُطلقت فكرة إنشاء لجنة تحقيق برلمانية لتوريطي في قضايا مفتعلة. ثم أصبحت رجلاً "مفسداً"، ورئيسًا سابقًا اختلس ونهب، وأثرى وأثرت عائلته.
- هل بات حل خلافاتكما أمراً مستحيلاً؟
كلا، فليست لدي أي مشكلة شخصية معه. لكن لديّ أفكاري ولم تعد تتوافق مع ما يفعله، هذا كل ما في الأمر.
ولأن تعليمات صدرت إلى العمد وكذلك أعضاء المجال الجهوية ليصرحوا بأن "مرجعية" الحزب هي الآن الرئيس الغزواني. وقد تعرض بعض أعضاء مجلس الاتحاد من أجل الجمهورية للتهديد، وقد جاؤوا لمقابلتي ليشكوا من الضغوط. وقد أجبتهم: "إن كنتم تعتقدون أنكم لن تحصلوا على طعامكم الليلة بسبب هذا الأمر، فاذهبوا إلى بيوتكم! اتخذوا أي قرار تشاؤون". حتى في أسوأ الأنظمة القمعية، لم يعد أحد يتحدث عن حزب الدولة.
- هل ناقشت ذلك مباشرة مع صديقك الرئيس ولد الغزواني؟
نعم، لقد اتصل بي وطلب مني أن نلتقي. وقد اجتمعنا، لكننا لم نستطع التوافق. تفرقنا بعد ساعة. ثم اتصل بي مرة أخرى حتى نتمكن من مناقشة الموضوع من جديد، لكن لم نتفق أيضاً. وهذه آخر الكلمات التي قلت له: "دعنا نحل هذا الأمر فيما بيننا". ولسوء الحظ، تجاوزته الأحداث.
- هل كان بينكم اتفاق على تقاسم محتمل للسلطة؟
كلا وأنا لم أفكر في ذلك قط. آمنت بما كنت أفعل وما زلت أؤمن به. ولست نادما على ترك السلطة بعد فترة رئاستي الثانية. نعم، لقد اتصل بي بعد أن غادرت، لكنني لم أطلب منه مطلقًا تعيين أي شخص. لقد سألني بضعة أسئلة حول رئيس حكومته على وجه الخصوص [إسماعيل ولد بده ولد الشيخ سيديا حينها] وأخبرته بالضبط برأيي فيه. لكنني لم أطلب منه قط أن يعين فلاناً أو علاناً، وهو يعرف ذلك. عندما غادرت، كان الشيء الوحيد الذي طلبت منه أن يهتم بالاقتصاد والأمن وبالبيئة في نواكشوط. وقد سافرت أيضًا بعد تنصيبه حتى لا أُتَّهم بتبنيه. ولسوء الحظ، عندما أرى النتيجة اليوم، أقول لنفسي إن هذه هي طبيعة الحياة. ما كل ما يتمنى المرء يدركه.
- كيف تنظرون إلى عودة محمد ولد بوعماتو ومصطفى ولد الشافعي اللذين كنتم في صراع طويل معهما؟
أعتقد أنها تمثل إعاقة للعدالة. فحين يتعلق الأمر بشخص بريء مثلي، يواجهونني بالفصل بين السلطات، ولكن عندما يتعلق الأمر بأشخاص متابَعين بأدلة دامغة، يجري الحديث عن الوئام الوطني!
- هل ترغب في العودة إلى السلطة في عام 2024؟
لا أتمنى ذلك. أود فقط أن تتغير الأمور. أريد أن يكون بلدي ديمقراطيًا، وأن تُحترم حقوق الإنسان والحريات، وأن يوجه الاهتمام إلى الأشد فقراً، وإلى التشغيل والتعليم. والحال أن هذا ليس ما يشغل بال الحكومة الحالية. خلال عشر سنوات، أنجزت الكثير من الأمور، وقد تغيرت جميع المؤشرات. عندما وصلت [إلى السلطة] كنا نعاني من عجز في الطاقة، وقد تركت مئات الميجاوات معظمها من الطاقة المتجددة. وقد جهزت شركة الطيران بطائرات بوينج جديدة، وأنشأت جيشًا لم يكن موجودًا، وأمّنت البلاد.
- هل تحاول الدفاع عن نفسك...
كلا، أنا لا أقول هذا دفاعاً عن نفسي! فملفي ذو طبيعة شخصية وأنا أواجهه بكل ما يتطلب من شجاعة وقوة شخصية. وهذا لا يمنعني من النوم. وبالمناسبة أنام ملء جفوني تماماً.
- تواجه خطر دخول السجن فهل تشعر اليوم بالخوف؟
أنا لا أخاف من أي شيء أبداً.
__________________
أجرت الحوار: جيستين شبيغل.
المصدر: "جون آفريك"
ترجمة: "الشروق ميديا"