الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني... التغيير الهادئ والمسؤول

أربعاء, 2022-11-16 09:49

لم يكن غائبا عن الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني وهو يستلم مقاليد الحكم حجم التحديات التي تواجهه ومحدودية موارد بلده، القاصرة عن تحقيق أحلام الشعب، التى تتجاوز فى كثير من الأحيان الإمكانيات والموارد الاقتصادية والبشرية للبلد. 

 

لم تستسلم إرادة الرئيس لتلك الحقائق والمعطيات الثابتة، فقد سعى إلى إحداث تغيير يقوم على تحقيق هدفين أساسيين:

أولا: التخفيف من معاناة المواطنين ومعالجة مشاكل الفقر والانسجام الاجتماعي والاحتقان السياسي.

 

ثانيا: الجمع بين الصيانة والتطوير ضمن مسارين أحدهما يبنى وينشئ الجديد، والآخر يحافظ ويرمم القديم. يسرى ذلك على المدن والطرق والشوارع والقرى.

 

لقد بادر الرئيس منذ البداية إلى إحداث مشاريع وبرامج اجتماعية أثارت عند البعض جدلا واسعا ونقاشا حول تكاليفها وجدوائيتها، لكن الإجابة على ما يبدو عند الرئيس، إن جدوى المشروعات لا تقاس بالمردودية المادية المباشرة فقط، بل إن الجدوى الاجتماعية للمشروع لا تقل أهمية عن جدواه الاقتصادية، فإذا كانت الجدوى الاقتصادية تركز على منطق الربح والخسارة، فالجدوى الاجتماعية معنية بتوفير الغذاء ومكافحة الفقر والنفاذ إلى الخدمات الصحية والتعليمية والتشغيل وتحقيق الأمن المجتمعي والاستقرار. وهي أهداف سامية تشكل في جوهرها أساس وجود الحكومات واستمرارها ومشروعيتها.

 

اباب بنيوك- نائب برلماني

 

لقد اخترت في هذه السانحة أن أقدم بعض النماذج المهمة من سياسة الرئيس في إحداث تغيير هادئ ومسؤول في البلد، مستحضرا الأهمية والأولوية في ترسيخ بناء الدولة وتكريس العدالة الاجتماعية.

 

 رؤية سياسية ناضجة وعقيدة وأمنية ناجحة

لقد تبين أن سياسة الانفتاح والتشاور التي انتهجها الرئيس كانت أكثر فاعلية وتأثيرا في مواجهة الأزمات من سياسة الاقصاء والتهميش، فقد تمكن من جمع كافة الطيف السياسي وبناء إجماع وطني صلب، مكن البلد من الانتقال إلى منطقة الأمان، بعد أن وصلت الأمور إلى حالة من الاشتباك الاجتماعي والسياسي كادت تؤدي إلى خروج الأمور من عقالها، وتحول البلد إلى ساحة معارك، الخاسر الأكبر فيها هو الوطن والمواطن.

 

لقد مكنت هذه الرؤية من خلق بيئة سياسية ملائمة، سمحت بحصول توافق مهم في الأسابيع الماضية على إعداد خارطة طريق انتخابية توافقية تشاركية، ستمكن الجميع من المشاركة في النزال الانتخابي القادم بثقة ومسؤولية، وستفضي إلى مؤسسات دستورية ذات مصداقية ومشروعية. كما مكنت هذه الرؤية من إجماع وطني في مواجهة أزمة كورونا توج بلجنة متابعة صندوق كورونا التي كانت مدخلا أساسيا في خلق تشاور بين الفرقاء السياسيين حول مجمل قضايا البلد.

 

لقد تغيرت العقيدة الأمنية التي حكمت البلاد منذ عقود، والتي كانت قائمة على محاصرة الرأي المعارض وملاحقة أصحابه، والتنكيل بهم ومتابعة حياتهم العامة والخاصة، إلى التوجه حصرا إلى حماية حياة المواطن وممتلكاته وأمن الدولة والوطن. 

 

وفي ذات السياق تم السيطرة على عشرات شبكات الإجرام المنتشرة في ربوع الوطن، وتعززت السيطرة على المعابر الحدودية ونقاط العبور.

 

لقد نجحت العقيدة الأمنية في بناء جيش قوي مهني، جعل بلادنا نموذجا فريدا في منطقتنا، وقد لعب جيشنا دورا محوريا في الحفاظ على السلم والأمن الإقليمي والدولي بشهادة العديد من المؤسسات المعنية. وحال دون اللعب بأمن البلاد، واستباحة حدودها، وجنبها الكثير من المنزلقات التي عاشتها دولا مشابهة إقليمية ودولية تحولت لاحقا إلى دول فاشلة. 

 

بناء المدرسة الجمهورية

تعتبر المدرسة الجمهورية محورا أساسيا في البرنامج الانتخابي لرئيس الجمهورية، السيد محمد ولد الشيخ الغزواني، وإحدى المرتكزات الأساسية للإصلاح التعليمي واستعادة مؤسساتنا التعليمية لدورها. حقلا للقيم الجمهورية ودعامة للوحدة الوطنية والتماسك الاجتماعي. الذي يتيح لكل طفل الانتساب إلى مدرسة عمومية تعد أجيال المستقبل وتأهلهم لتحمل مسؤولياتهم اتجاه البلد.

 

وسيمكن هذا المشروع التعليمي الهام من إرساء قواعد مدرسة، يجد فيها كل طفل موريتاني فرصة لنمو طاقاته ومواهبه في جو تعليمي هادئ تطبعه القيم النبيلة المستمدة من ديننا الحنيف وثقافتنا العربية الإفريقية.

 

إرساء دولة اجتماعية بمرتكزات قوية

لقد كان الهاجس الأساسي للرئيس هو الظروف الصعبة التي تعيشها فئات واسعة من ابناء الشعب، من حيث تدني الخدمات الأساسية وارتفاع نسبة الفقر والبطالة.

 

لذلك تركز البرنامج الاجتماعي لرئيس الجمهورية منذ توليه السلطة على بناء الدولة الاجتماعية ضمن رؤية تقوم على:

- ضمان التوزيع العادل للموارد، بما يضمن توزيع الخدمات ذات الطابع الاجتماعي، لحماية الفئات الهشة في المجتمع، كتلك التي لا تتوفر على ضمان اجتماعي ولا تغطية ولا تأمين صحيين والفئات المتقاعدة وغيرها.

- تحقيق التماسك الاجتماعي، وتقليص الفوارق بين جميع المواطنين، حيث إن المساواة في الاستفادة من الخدمات الاجتماعية والاقتصادية والنفاذ للخدمات الأساسية وحماية كرامة الفرد، تعد من بين أهم مرتكزات الدولة الاجتماعية.

 

لقد تُرْجِمت هذه الرؤية في برنامج فخامة رئيس الجمهورية في شكل مشاريع وتدخلات اجتماعية، نالت حظا معتبرا من ميزانية الدولة العامة. فقد وصلت ميزانية القطاعات الاجتماعية إلى 342 مليار أوقية قديمة سنة 2022 مقابل 220 مليار قديمة سنة 2021.

 

وبالنظر إلى تلك التدخلات الاجتماعية، يمكن الحديث عن جوانب مهمة يتعلق أولها بالبنية التحتية لمناطق الاستهداف، من حيث بناء المدارس والكفالات المدرسية والنقاط الصحية وترميم السدود وتوفير المياه والكهرباء. وفي هذا السياق تم إنجاز أكثر من 1000 قاعة مدرسية، وحوالي 800 كفالة مدرسية، بناء عشرات النقاط الصحية، توفير العلاجات الأولية للسكان بالمجان، إنشاء ما بين 400 إلى 600 سد رملي. أما الجانب الثاني فيتناول الاستجابة السريعة لحاجيات السكان. تم في هذا الإطار اعتماد توزيعات نقدية دورية لصالح الأسر المتعففة، واكتتاب 7000 ما بين معلم وأستاذ لمعالجة النقص الحاد في الكادر التعليمي. وتوفير تأمين صحي شامل لآلاف الاشخاص. كما تمت زيادة حصة معاشات المتقاعدين بنسبة 60% وقد استفاد من هذا الإجراء حوالي 200 ألف مواطن.

 

إنشاء مؤسسات نموذجية 

وبخصوص الجانب الثالث من التدخلات الاجتماعية، فقد شمل إنشاء مؤسسات نموذجية في أدائها وحصيلتها يتعلق الأمر مثلا:

- في مجال التعدين تم إنشاء شركة معادن موريتانيا، التي شكلت إطارا قانونيا وإداريا، ومحصلا مهما لثروة. تكَشَّف لاحقا أهمية الدور الذي يمكن أن تلعبه في مكافحة البطالة ومحاربة الفقر ودعم ميزانية الدولة. فقد وصلت مداخلها للسنة الماضية 328 مليار أوقية قديمة، أي بزيادة قدرها 236% مقارنة بـ2019 وتوفر مصدر دخل لأكثر من 250 ألف مواطن، وبلغت قيمتها المضافة حوالي 244 مليار اوقية قديمة، أي ما يناهز حوالي 9% من الناتج المحلي الإجمالي، وتشغيل ما يناهز 70 ألف مواطن موريتاني.  وهو ما يطرح سؤالا جوهريا حول عمل الشركات الأجنبية الأخرى ومساهمتها، وضرورة العمل على منح هذه الشركة حصرية البحث عن الذهب كممثل وحيد للدولة الموريتانية.

 

- في مجال النقل تم إنشاء مؤسسة أشغال صيانة الطرق ETER، والتي تمكنت من تجاوز نسبة الإنجاز لسنة 2021 حوالي 113% عما كان مبرمجا، وقد شمل التأهيل، إعادة تهيئة الطرق، إزاحة الرمال، فك العزلة عن مناطق واسعة من البلد. خصوصا خلال فترة الأمطار الأخيرة وما ترتب عليها من انهيار للجسور وإغلاق للطرق.

 

-  في مجال الإسكان والبناء، تمكن القطاع من إحداث طفرة سريعة في مجال البناء، ينتظر أن تتوج ببناء قرابة 200 مدرسة، سبتم الانتهاء منها خلال ثمانية أشهر من الآن، لترتفع الحصيلة لاحقا إلى حدود 3000 قسم دراسي خلال ثلاث سنوات.

 

- في محال الصحة تم إنشاء مؤسسة "إنصاف" بهدف التكفل تدريجيا بجميع المواطنين الذين لا يحظون بأية تغطية تأمينية حاليا، أي حوالي 70% من السكان ويناط بهذه المؤسسة تسيير نظام تأمين صحي طوعي موجه أساسا للعمال والمقاولين في القطاع غير المصنف بالوسطين الحضري والريفي كالعمال المستقلين والحرفيين والتجار والمنمين والمزارعين وغيرهم.

 

هكذا تبدو ملامح التغيير في سياسة رئيس الجمهورية ماثلة تتحقق يوما بعد يوم بلا ضجيج ولا صخب ولكن بتروي وكياسة وهدوء.

اقرأ أيضا